تتسم المرحلة التي تمر منها منظومة التربية و التكوين بالمغرب بالصعوبة القصوى و القاسية، فالظلام يعم كل ارجائها و كل الاتجاهات و الألوان و الاختيارات و الخيارات واحدة و متشابهة، و كل الهيئات و السلطات و المتدخلين عاجزون عن اقتراح علاج نافع و لو لحين. ربما الكل يستطيع أن يشخص مكامن الخلل، و بإمكان الكل أن يزايد على الكل في تضخيم الأزمة و بل تحويلها الى مأساة.
لكن، علينا على الأقل أن نعترف بأن غياب الاهتمام بالتعليم في برامج الأحزاب السياسية و تحويل القطاع الى مجال السيادة رهنه بالموقف الأحادي، و السلبية في تلقي التعليمات و حول كل الهيئات و الفعاليات الى مجرد قطع صغيرة في ماكينة تنفيذية غير قادرة على التأثير في ظروف تنزيل كل التعليمات و الخيارات الفوقية.
لا شك أن الحكومة على الأقل، التي تعترف بأن التعليم يفوق اختصاصاتها الدستورية، و الدولة التي تجد في التعليم عبأ اقتصاديا و اجتماعيا سيزيفيا يستحيل في الوقت القريب أو المتوسط حمله، و تحمل تبعاته، فكل الهيئات الرسمية تتجه نحو التنصل من عبء التعليم العمومي و التعويل على القطاع الخاص في تدبير المنظومة و تطوير خدماتها، طبعا مع وضع دفتر تحملات جديد يؤسس لعلاقة جديدة و تكاملية بين القطاع العام و الخاص. بمعنى آخر، تعول الدولة على قطاع مدرسي خصوصي يقدم خدمات تربوية لفئات اجتماعية عريضة مع احترام معادلة الجودة و الثمن.
لكن، القطاع الخصوصي اليوم لا يتعدى أن يكون ماكينة لجني أرباح طائلة خارج مقتضيات الرقابة التربوية و الإدارية و المالية، فهو لم يقو على نحث مناهجه و مقارباته البيداغوجية، و لم يلتزم بتكوين و تشغيل أساتذة مؤهلين وفق ما تنص عليه قوانين الشغل، بالحد الأدنى من الضمانات. و في هذا القصور هدر للوقت و الطاقة، و حيف في حق منظومة التعليم ككل بالمغرب. بالعودة الى تاريخ تطور النظريات و المناهج البيداغوجية الغربية، نكتشف للوهلة الأولى أن مجمل الابداعات التي تقود الممارسة البيداغوجية منذ بداية القرن التاسع عشر هي ثمرة مبادرات خاصة و تجريبات تمت في حضن مؤسسات خصوصية، ذات هم بيداغوجي أكثر مما هو مالي و ربحي. على القطاع الخصوصي في المغرب أن يعلم أن الربحية التجارية لابد أن تمر عبر تنافسية و تجديد بيداغوجي، وعلى كل مؤسسة خصوصية أن تستثمر امكانياتها و قدراتها و وسائلها في صناعة الفارق البيداغوجي التنافسي عن غريماتها. هكذا نخلق التنافسية التي تؤدي الى القيم التربوية المضافة. أما أن يبقى القطاع الخصوصي في وضعية جمود بيداغوجي مع جشع تجاري لا متناهي فإن في ذلك لعيب شنيع.
إن الاقبال على مهن التربية و التكوين يشكل بالنسبة لغالبية حاملي الشهادات و خريجي الجامعات الملاذ الوحيد للتوظيف في القطاع العام، حتى أن الشعار الغالب اليوم هو أن التعليم أصبح مهنة من لا مهنة له. نعم، الشغل حق دستوري، لكن التعليم هو مهنة بمواصفات دقيقة و محددة كونيا، و يتميز بحساسية شديدة لأنه يطبع مستقبل الأجيال و يرهن مستقبل البلاد. فالمواصفات التي يدخل بها أغلب المرشحين للمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، هي ضعيفة إن لم نقل بعيدة كل البعد عن المواصفات الموضوعية المطلوبة، و هذا الانطباع هو عام لكل المكونين في هذه المراكز، مع العلم أنه لا يمكن تعميم هذا الحكم على كافة المترشحين، فبعضهم يملك قدرات محترمة تعكس انخراطه الشخصي في تنمية كفاياته.
إن مدخل الانتقاء و الترشيح و التوظيف في مهن التربية و التكوين ضروري الى جانب وضع عدة تكوين علمية و فعالة للدفع بعجلة الإصلاح الى الأمام. إن ظلت المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين في وضع الجمود و العبث الإداري و البيداغوجي الحالي فلا اصلاح ممكن و لا هم يحزنون...
يتبع